قصص

نشر في : 29-01-2025

تاريخ التعديل : 2025-01-30 00:04:16

آلاء عمارة

يُعد عنصر الرصاص أحد العناصر الموجودة بصورة طبيعية، وله موقعه في الجدول الدوري الكيميائي. وعلى الرغم من أنّ له العديد من الاستخدامات المفيدة، فإنه قد يكون سامًا للإنسان ويتسبب في مخاطر صحية عديدة.

لكن خلال العقود الأخيرة، صار الإنسان أكثر تعرضًا لتلوث الرصاص؛ نتيجة الأنشطة البشرية واستخدام الوقود الأحفوري، ما قد يتسبب في مشكلات في جوانب الحياة المختلفة، بل يتطور الأمر في بعض الأحيان إلى انخفاض مستوى الذكاء، تمامًا مثلما حدث في روما القديمة، وفقًا لدراسة أجرتها مجموعة بحثية دولية، ونشر الباحثون دراستهم في دورية "بروسيدنجز أوف ذا ناشونال أكاديمي أو ساينسز" (Proceedings of the National Academy of Sciences) في 6 يناير/كانون الثاني 2025.

بطاقات بريدية من الماضي

حسنًا، يُعيننا الماضي على فهم الحاضر والحذر من المخاطر المحتملة، لذلك، قرر الباحثون الخوض في دهاليز الماضي، هناك حيث قامت الإمبراطورية الرومانية التي ذاع صيتها حتى أغرق آلافا من صفحات التاريخ اليوم. وهنا فحص الباحثون 3 سجلات لعينات من نوى الجليد في القطب الشمالي لبناء نموذج لتلوث الرصاص الجوي في روما بين عامي 500 قبل الميلاد إلى 600 بعد الميلاد. بعد ذلك، ربط الباحثون مستويات الرصاص المرتفعة خلال تلك الحقبة والأبحاث التي تربط بين التعرض للرصاص بالتراجع المعرفي. بذلك، عملت تلك العينات الجليدية كبطاقة بريدية من الماضي لتخبرنا ماذا حدث.

تدهور في الذكاء؟

وجد الباحثون أنّ تلوث الرصاص خلال تلك الحقبة تسبب في انخفاض بمستوى الذكاء في أوروبا بنحو 2.5 إلى 3 نقاط؛ إذ وصلت مستويات تلوث الرصاص في الغلاف الجوي إلى مستويات قياسية خلال أواخر القرن الثاني قبل الميلاد بسبب عملية تعدين الفضة التي تتسبب في إطلاق كميات هائلة من الرصاص، ما أدى إلى زيادة مستويات الرصاص في دم البشر؛ خاصة الأطفال الذين تأثر إدراكهم خلال ذلك الوقت في جميع أنحاء أوروبا. أما البالغون فيتعرضون للعقم وفقر الدم وفقدان الذاكرة وأمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان وغيرهم.

في تلك الأثناء، كانت ذروة الجمهورية الرومانية -التي استمرت لما يقرب من 200 عام- وخلاله أُطلق ما يزيد على 500 كيلو طن من الرصاص إلى الغلاف الجوي. بعد ذلك انخفض تلوث الرصاص خلال أزمة الجمهورية الرومانية، بعد ذلك ارتفعت مستويات التلوث مرة أخرى عام 15 قبل الميلاد؛ أي بعد انطلاق الإمبراطورية الرومانية، وظلت مستويات تلوث الرصاص مرتفعة حتى الطاعون الأنطوني بين عامي 165 و180 ميلاديا.

واليوم، بعد مرور مئات السنوات، تتسبب الأنشطة البشرية الملوثة للبيئة في ارتفاع مستويات الرصاص مرة أخرى؛ الأمر الذي يحذر منه الباحثون باستمرار. وقد يقود إلى تراجع الإدراك المعرفي لأجيال كاملة إذا لم تتم السيطرة عليه.